ماتياس سينديلار: أسطورة النمسا وصاحب اللغز الغامض

 

ماتياس سينديلار: أسطورة النمسا وصاحب اللغز الغامض

مقدمة

يُعد ماتياس سينديلار (Matthias Sindelar) واحدًا من أعظم لاعبي كرة القدم في تاريخ النمسا، ورمزًا للعب الجميل والمهارات الفريدة خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي. اشتهر بلقب "موزارت كرة القدم" بسبب أسلوبه الأنيق في اللعب، وساهم بشكل رئيسي في جعل منتخب النمسا أحد أقوى الفرق في العالم آنذاك. ورغم براعته الكروية، أحاط الغموض بوفاته، مما جعله أسطورة خالدة ليس فقط في الرياضة، بل في التاريخ السياسي والإنساني أيضًا.


النشأة والبدايات

وُلد ماتياس سينديلار في 10 فبراير 1903 في بلدة كوزلوف، التي كانت آنذاك جزءًا من الإمبراطورية النمساوية المجرية (وتقع اليوم في جمهورية التشيك). نشأ في فيينا، حيث بدأت موهبته الكروية في الظهور أثناء لعبه في الشوارع.

انضم إلى نادي هيرتا فيينا في شبابه، ثم انتقل عام 1924 إلى نادي أوستريا فيينا، الذي شهد تألقه الكبير وأصبح رمزًا له.


المسيرة مع نادي أوستريا فيينا

ارتدى سينديلار قميص أوستريا فيينا طوال مسيرته، حيث لعب دورًا أساسيًا في تحقيق العديد من الألقاب. وكان معروفًا بمهاراته الفائقة، مراوغاته الساحرة، وتمريراته الدقيقة، مما جعله أحد أفضل المهاجمين في العالم خلال فترة ما بين الحربين العالميتين.

إنجازاته مع أوستريا فيينا:

  • الدوري النمساوي: 1935-36
  • كأس النمسا: 1929-30، 1932-33، 1934-35، 1935-36
  • كأس ميتروبا (البطولة الأوروبية الكبرى آنذاك): 1933، حيث سجل هدف الفوز في النهائي

بفضل أسلوب لعبه المميز، أُطلق عليه لقب "الورقة الرقيقة" نظرًا لبنيته النحيلة وحركته الانسيابية على أرض الملعب.


المسيرة الدولية مع منتخب النمسا

كان سينديلار قائد منتخب النمسا الشهير في الثلاثينيات، الذي عُرف باسم "فوندرتيم" (Wunderteam)، أي الفريق العجيب، الذي أصبح أحد أفضل المنتخبات في العالم خلال تلك الحقبة.

أبرز محطاته الدولية:

  • أول مباراة دولية: عام 1926 ضد تشيكوسلوفاكيا
  • كأس العالم 1934: قاد النمسا إلى نصف النهائي، حيث خسرت أمام إيطاليا في مباراة مثيرة للجدل بسبب قرارات تحكيمية مشبوهة لصالح المنتخب الإيطالي الذي كان مدعومًا من نظام موسوليني.
  • عدد المباريات الدولية: 43 مباراة
  • عدد الأهداف الدولية: 26 هدفًا

المباراة المثيرة للجدل ضد ألمانيا (1938)

بعد ضم ألمانيا للنمسا في حدث "الأنشلوس" عام 1938، تم حل منتخب النمسا وإجبار اللاعبين النمساويين على الانضمام إلى منتخب ألمانيا.

قبل ذلك، أُقيمت مباراة وداعية بين النمسا وألمانيا، وكان يُتوقع أن يخسر المنتخب النمساوي كتعبير عن "الوحدة" بين البلدين. لكن سينديلار خالف التوقعات وسجل هدفًا رائعًا، ثم احتفل بطريقة جريئة أمام المسؤولين الألمان، مما اعتُبر تحديًا سياسيًا واضحًا للنظام النازي.

رفض لاحقًا اللعب مع منتخب ألمانيا، مما جعل موقفه السياسي أكثر حساسية.


الوفاة الغامضة

في 23 يناير 1939، عُثر على سينديلار ميتًا في شقته في فيينا، بجانب صديقته كاميلة كاستجنولا، بسبب تسمم بأول أكسيد الكربون.

نظريات حول وفاته:

  1. حادث عرضي: بسبب خلل في التدفئة داخل شقته.
  2. انتحار: رفضًا للعيش تحت الحكم النازي.
  3. اغتيال سياسي: بسبب موقفه المعارض لألمانيا النازية ورفضه الانضمام إلى منتخبهم.

لم تُفتح تحقيقات رسمية في القضية، مما جعلها غامضة حتى اليوم.


الإرث والتكريم

  • يُعتبر ماتياس سينديلار أفضل لاعب في تاريخ النمسا.
  • تم تخليد اسمه في قاعة مشاهير الكرة النمساوية.
  • أُطلق اسمه على عدة ملاعب وشوارع في النمسا.
  • لا يزال يُذكر كأسطورة لم تُحك قصتها بالكامل، حيث كان لاعبًا فذًا، وقائدًا شجاعًا، ورمزًا للمقاومة ضد الديكتاتورية.

الخاتمة

كان ماتياس سينديلار أكثر من مجرد لاعب كرة قدم، فقد كان فنانًا في الملعب، ورمزًا لمقاومة الاستبداد. لم تقتصر بصمته على المستطيل الأخضر، بل امتدت إلى التاريخ، ليبقى لغز موته وسيرته الاستثنائية جزءًا لا يُنسى من ذاكرة كرة القدم والسياسة.

تعليقات